الحلطمة .. فعل صحّي

سلام الله و رحمته عليكم أينما كنتم
 أتمنى أنكم في تمام الصحة و العافية

 التدوينة هذي شوية غير عن ستايل تدويناتي السابقة ، بس أتمنى أنكم تستمتعوا فيها
فـ فكرة هذه التدوينة جائت مع الضجة الكبيرة و التقديس المبالغ فيه للإيجابية
و هنا أحب أوضح أنّي أبداً مو ضد الإيجابية ، بالعكس الإيجابية تعتبر حسن ظن و عبادة تؤجر عليها
و محد يقدر ينكر فوائدها النفسية و الجسدية على الشخص ، بس أنا ضد التهويل هذا

خلونا إيجابيين ، بس بنفس الوقت واقعيين
A+ يعني مو معقولة إنّي ناقصة عشر درجات في أحد المواد الجامعية و أجي أقول ان شاء الله بجيب
 أبدأ مو منطقي ، و يمكن يجيب لي نتائج عكسية بعد ، رح أتحطم و اكتئب إني ما قدرت أجيب الدرجة اللي كنت متفائلة فيها

 و قررت أكتب التدوينة ، بعد ملاحظتي لنفسي في فترة الاختبارات
 يا الله قد ايش الوقت الوقت يمشي بسرعة و عدد المحاضرات و المعلومات الهائلة مو جاية تخلّص
و بعد جلسة من الشكوى و الحلطمة مع صديقتي اللي تعاني نفس المشكلة
 حسيّت أني فضيت كل شي بخاطري و دماغي صار صافي و يقدر يستقبل معلومات بعد جلسة التنفيس هذي

و الحلطمة أو التحلطم -للتوضيح لغير الناطقين بها- تجيئ بمعنى التذمر و الشكوى باختلاف الأسباب
و أتوقع مافي أحد ما اشتكى بحياته ، كلنا نشتكي و نتحلطم بشكل ما أو آخر
 و هذا ما أثار أحد علماء النفس و استغرابه من قلّة الأبحاث عن هذا الموضوع

 و هو ما أثار استغرابي أنا أيضاً ، لأن كل بحوثي عن هذا الموضوع كانت كلها تقود إلى شكوى العملاء و تأثيرها على الاقتصاد
بينما أنا أردت البحث عن شكوى الناس العادية و تأثيرها على النفس
لـ ذلك ما كان عليّ إلا الإستعانة بصديقتي أنوار ، التي لم تعد إلي بخفيّ حنين

 فـ شكر كبير و قلوب أكثر لها على المساعدة 

و بسم الله نبدأ موضوعنا 

 الشكوى تنقسم إلى ثلاثة أقسام تقريباً 

١- الحلطمة – للحصول على التعاطف و الإهتمام أو التنفيس

هذا النوع هو الأكثر شيوعاً من أنواع الحلطمة و هو ما يعرف بالتنفيس و الإفراج العاطفي

و في دراسة قام بها الطبيب النفساني الإجتماعي في جامعة تكساس ، جيمس بينبيكر و مجموعة من العلماء
تتكلم عن علاقة العلاج النفسي مع المشاكل الصحية ، و النموذج المعروف بـ أن كتمان المشاعر و الأفكار مرتبط بالأمراض و الضغوطات طويلة المدى
و ممكن مواجهة و تجنب هذي المشاكل عن طريق الكتابة أو الحديث عنها
و لـإثبات هذا الكلام ، طلبوا من خمسين طالب جامعي، أنهم يكتبوا عن أي تجارب مؤلمة صارت لهم أو حتى مواضيع سطحية لمدة أربعة أيام متتالية
و بعد قياسات و اختبارات لجهاز المناعة و زيارات لمراكز صحية تم إثبات أن “الحلطمة” على المشاكل أو التجارب اللي تمر فيها مفيد جسدياً و نفسياً
كما أنه ساعدهم على التركيز و التنظيم مما أدى إلى زيادة فهمهم للمشكلة و معرفة كيفية التعامل معها

 ٢- الحلطمة – للخروج بنتيجة أو حل

و هذا النوع هو الأكثر فائدة على الفرد أو حتى المجتمع
هنا الشخص يشتكي لإيجاد حل ، مثل لمّا تشتكي الزوجة لزوجها عن قلة اهتمامه بها فتكون النتيجة لصالحها لأنه يبدأ يهتم فيه
أو الحلطمة و الشكوى لمدير متجر عن خدمة عملاؤه فيكون الحل بتحسين و تقييم المشكلة ، و غيره كثير من الأمثلة

كوالسكي ، أستاذ في علم النفس في جامعة كليمسون قامت بتجربة هي و زملاؤها على ٤١٠ طالبة و طالبة
للربط بين التركيز و صفاء الذهن و السعادة مع التعبير عن الإنزعاج
أكملوا استبياناً لقياس سعادتهم ، تأثير الإيجابية و السلبية ، الإكتئاب ، صفاء الذهن ، الرضا عن علاقاتهم و الرضا عن الحياة بشكل عام
و وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يشتكون على أمل تحقيق هدف أو غرض معيّن
يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة من هؤلاء الذين لا يشتكون

كوالسكي وجدت أيضاً أن الأشخاص السعيدين و المتروّين و الذين لديهم صفاء ذهني
هم نفسهم القادرون على إدارة شكواهم و الاستفادة منها
بينما الأشخاص الأقل إدراكاً ، يشتكون أكثر بتأثير أقل -بمعنى آخر- شكواهم مو قاعدة ترجع عليهم بأي عائد

أيضاً في دراسة سابقة تقول أن الأشخاص الواثقين بأنفسهم هم أكثر شكوى من الأقل ثقة بأنفسهم
و قد يكون هذا بسبب معرفتهم و ثقتهم بأن شكواهم ستعود لهم بالفائدة

و هنا الموضوع قائم على القيام بالإختيار الصحيح و المعرفة بالوقت المناسب و الشخص المناسب للشكوى
و هذا النوع يكون ذا تأثير إذا استعملنا الحقائق و المنطق و معرفة ماذا نريد كعائد

 ٣- الحلطمة – لتعزيز الهويّة

و فيه ناس يستعملون الشكوى لإبراز و تعزيز هويتهم و هذا ما يسمى في علم النفس بـ ” تعزيز الإنطباع
مثل لما يكون مجموعة من الزملاء ، رايحين لمطعم و بعد وصول الطلب و البدء بالطعام
 يبدأ أحد الأصدقاء بالحلطمة و الشكوى  ” الأطباق تحت المستوى و قائمة الطعام ليست مميزة و تفتقر للمصداقية .. وغيره من هذا الكلام
هنا صديقنا ما كان يتذمّر عشان يحصل اهتمام ، أو حتى حل ، لأنكم لستم الشخص المناسب للشكوى و ما عندكم أي صلاحيات لتغيير أي شي في المطعم
بل الهدف من هذي الحلطمة كان ليبيّن لباقي المجموعة أن معاييره عالية في الطعام

و بنهاية هذا البحث ، أتمنى أن الفكرة وصلتكم
و كيف أن الأبحاث أظهرت أن الشكوى -إذا تمت بالشكل الصحيح- قد تعد علينا بمزايا و فوائد نفسية و جسدية

،

 و قد تتسائل عزيزي القارئ عن المغزى من وضع صورة سيندريلا كصورة لهذه التدوينة بالذات
و أجيب عليك ، أن لولا حلطمة سيندريلا و بكائها و هي تنظف المنزل بعد خروج زوجة أبيها و بناتها للحفلة
لما خرجت الساحرة لها لتتغير حياتها بالكامل بعد هذه الحادثة

و هذا يقودنا إلى ما قالته كوالسكي أن الحلطمة قد تكون لها فوائد أكثر مما نتخيل و نتوقع

و خُلاصة الكلام ، تحلطم ، لكن تحلطم بذكاء
تحلطم في الوقت المناسب و للشخص المناسب ، و اعرف انت ليش تتحلطم
و تذكر ، إن الحلطمة لحالها ما تكفي ، لازم تجتهد و تكافح
تحلطم و فرّغ كل اللي بقلبك و بخاطرك ، و بعدها ارجع لمشكلتك أو مهمتك و عقلك صافي و نظيف
و ابدأ شغل و انت متفائل بالنتائج و أتقن و أبدع

 تذكير بسيط : لا تجعل هذه التدوينة عذر لحلطمتك “الزائدة عن المعقول” فقد يهرب من مجالستك الناس

يعني شويّة موازنة بس و أمورك بالسليم بإذن الله
و أخيراً ، ترددت كثير في نشر هذه التدوينة خوفاً من الفهم الخاطئ للموضوع ، فـ أتمنى أن الفكرة وصلتكم بالشكل المطلوب
 دمتم سالمين و دامت حلطمتكم مفيدة

المصادر : ١ | ٢ | ٣ | ٤